لاتزال جاذبية المدن تستهوي الفنان وائل حمدان لرسمها، خاصة بناياتها ومعمارها، باحثا خلال ذلك عن معنى جديد للمكان وللحنين والوجود وللغة الفن التشكيلي، من دون أن يكون هناك أي تصادم أوقطيعة مع مقومات الكيان الحضاري لها؛ فهو من أبرزالفنانين الذين جسدوا تجربة إعادة صياغة المدن في تناغم جديد، وأثناء ذلك لا ينقل الشكل المرئي للمدينة، إنما يأخذنا إلى روحها.
وفي معرضه الجديد المقام بعنوان “سحر المدينة” بقاعة( الباب سليم) بساحة الأوبرا، تحكي لوحاته قصصا وحكايات ومشاعرمختلفة؛ نستشعرفيها هدوء المدينة وزخمها الإنساني؛ فالمدينة التي يجسدها تزخربالبيوت، وهي ليست مضاهاة لواقع معين، لكنها رمزية للمدينة، حيث تشغى أعماله بالتراكيب والأشكال، وتراوحت مابين التجريدية والتكعيبية والتعبيرية، أحيانا تجد مكعبات فوق بعضها البعض، وأحيانا تعثرعلى أشكال هندسية وخطوط ومساحات لونية، بينما تطل عليك في أعمال أخرى شخوص تغلب عليهم المرأة، وكأنها رمز للمدينة وربما الوطن ذاته الذي يحتضن الجميع.

تثير لوحاته العديد من التساؤلات ( خاص أذواق)
وخلال ذلك كله تجعلك الموتيفات المصرية القديمة والقبطية والإسلامية المبعثرة في اللوحات تشعرإنها تحتضنك وتمثل لك الملاذ، فكيف لك أن تشعر بالخوف أوالقلق وأنت تنتمي لهذه الحضارات المختلفة؟! أوأنت أيضا تتمتع بمثل هذه الجذور القوية؟! يقول وائل حمدان ل”أذواق”:”استعنت بأيقونات وخطوط ورموزتعبرعن أزمنة مرت بها مصرعبرالتاريخ، فكل ذلك في النهاية يجعلنا نشعرأن هذه هي مصر، بفرادتها التاريخية والريادية، مصر التي هي نتاج لكل هذه الأزمنة والأحداث والثقل الحضاري العظيم” ويتساءل:” وعندما ننظر إلى تلك العناصر والمكونات، هل يسعنا إلا أن نفخر ونتمسك بأصولنا ونستشرف المستقبل بالأمل و الإرادة؟”.
ولايجد المتلقي نفسه إلا متأثرا بماتحمله اللوحات من دلالات ومعان مختبئة؛ فبالرغم من أن حمدان لم يقدم لنا المدينة بما تحمله من تفاصيل وشخوص بشكل مباشر، إلا أنه برع أن ينقل إلينا مشاعرالحنين إلى الحميمية والترابط والدفء التي كانت تعمرالبيوت المصرية، فالمتأمل للبيوت بألوانها الدافئة الموحية يتسلل إليه التساؤلات عما يدورداخلها، وماتشهده من علاقات بين الناس، طارحاً المزيد من الإسئلة ومنها :هل لاتزال هناك العاطفة والمحبة والود والصدق والحنو وغيرها من المشاعروالقيم النبيلة التي كانت تلف المكان؟!.

إحدى لوحات معرض “سحر المدينة” للفنان وائل حمدان (أذواق)
وما أن يتفاعل المشاهد مع هذه اللوحات ـ وعددها 36 لوحة ـ بتأثيرها الذي يتسلل إلى القلب حتى تفاجئه أعمال أخرى، بعضها ينتمي إلى تصميم البوستروالدعاية؛ فجاءت مقسمة إلى أقسام وأجزاء، يعبركل جزء بها إما عن مرحلة زمنية معينة في تاريخ مصر، أوحالة ما مرت بها، وكأنه يمعن ويؤكد على تجسيد عظمة مصروتاريخها.
وبعضها الآخرجاء بطابع تغلب عليه الفانتازيا؛ فنجد أنفسنا أمام عناصرمتطايرة مثل المنطاد، الحصان الطائر السمكة، الأرنب الطائر، الضفدع، والدراجة يقول الفنان:”تسلل عالم الفانتازيا وما وراء الخيال ولمحات من السيريالية إلى عدد من اللوحات، ربما كان نوعا من كسر الملل والتجديد في التعبيرعن أفكاري”… لكن ما هي هذه الأفكار؟! ربما كان إحساسه بتغيرالأحوال في المدن المصرية؛ حيث تراجعت قوة الروابط التي تجمع بين البشر، وطارت الأحلام ولم ترجع سالمة إلى أصحابها، وقد يكون الوجه الآخرللمدينة العصرية بكل عبثها وفوضاها وافتقارها إلى دفء المشاعر.

لوحة يغلب عليها الفانتازيا تعبيرا عن تغير أحوال المدن ( خاص أذواق)
الفنان وائل حمدان من مواليد القاهرة 1971 تخرج في كلية التربية الفنية بالزمالك عام 1994، تخصص في الرسم والتصويروالتصميم الإعلامي والتصويرالفوتوغرافي، عمل في مجال الغرافيك والدعاية والإعلان والإخراج الفني ورسوم الأطفال وأغلفة الكتب مع عدد من دورالنشرفي مصروالكويت والسعودية، يعمل كمصور مساهم مع العديد من وكالات الصور بالولايات المتحدة، وأسبانيا وإنجلترا ودبي، عضو نقابة الفنانين التشكيلية، وعضو جمعية محبي الفنون الجميل، وعضو جمعية الكاريكاتيرالمصرية، أقام العديد من المعارض الفردية، وشارك في عدد كبير من المعارض الجماعية.

اللوحات تزخر بموتيفات ورموز من الحضارات المختلفة ( خاص أذواق)