المصورة الشابة منى حسن هي واحدة من من أكثر المصورين الفوتوغرافيين معاصرة وتنوعا في المنطقة العربية، قدمت العديد من المشاريع الثقافية التوثيقية التي لاقت تفاعلا بالغا من جانب الجمهور والنقاد والفنانين؛ بسبب أهمية القضايا التي تطرحها هذه المشاريع، واحتفائها بالناس وحرصها على التواجد وسطهم.
ويُعد التوثيق للرحالة العرب في مصرهو أحدث مشاريعها، حيث والذي بدأته منذ نحو أنا منذ 3 سنوات ليرى النورفي 2023 ، تقول منى حسن ل”أذواق” :”بدأت مشروعي حين عرفت من أصدقائي ان هناك رحالة في مصر وانهم ينظمون من حين إلى آخر رحلات لتصويرهم” وتتابع:” في الواقع لم أكن أعرف شيئا عنهم، من هم؟ ولماذا جاؤوا إلى مصر؟، لكني وجدت نفسي مهتمة للغاية بهم، وحين بحثت وعدت إلى المراجع، وجدت القليل من المعلومات الموثقة عنهم، و شعرت في الوقت نفسه أن ورائهم حكايات إنسانية تستحق أن تُسجل وتُروى بصدق وواقعية، وأن يعرفها العالم عنهم، فحملت كاميراتي، وخضت رحلات عديدة إليهم، لأغوص في عوالم من القضايا الإنسانية والاجتماعية الفريدة”.
وجدت منى حسن ترحيبا كبيرا من جانب القبائل العربية حين التقت بهم، وعرفت إنهم من مناطق عربية متعددة، وفي مقدمتها اليمن وشبه الجزيرة العربية، وذلك منذ الفتح الإسلامي لمصر” تقول في حديثها ل”أذواق:” منذ أن احترفت التصوير والكاميرا لا تفارقني، هي الصديق المُقرَّب الذي يستجيب لي في ثوانٍ لتهبني لقطات ربما لم ولن تتكرر، مثل تلك التي منحتني إياها على مدار ثلاث سنوات قمت خلالها بزيارة منطقة “الحامول” في محافظة كفر الشيخ عدة مرات، لم يكن الأمرسهلًا لكن بالرغم من إنني غريبة عن عالم الرحل، إلا أن ارتياح القلوب يفتح أبوابها لتبوح بكثير من مكنونها”.
اكتشفت المصورة الشابة أن هناك بعض التجمعات المستقرة أو شبه المستقرة التي تمارس التنقل الموسمي، وتكون لها أماكن (قرى عبور) تستقر فيها بعد الترحال بين القرى ويعيشون في مساكن تتناسب مع المنطقة التي يحلون بها ومع مستواهم المادي، فقد تكون المساكن مشيدة بالطوب الأحمر، أو بالطوب اللبن، أو بالقش والبوص، ويتوسط مساكنهم حوش متسع به الأغنام والكلاب، أما محتويات المنزل فلا تتعدى المعدات الضرورية.
والبعض الآخرما زال يفترش العراء، لا يسترهم إلا قطع من القماش أو المشمع مرفوعة على أعمدة من الخشب، ولا تحتوي الخيمة إلا على أغطية وبطاطين وحصير وآنية، حرصًا منهم على تقليل الأمتعة، لأنهم يتنقلون من مكان لآخر، ولا يعرفون الاستقرار.
عايشت حياة ست عائلات من قبائل مختلفة، تقول :” هي دنيا تختلف تماما عن دنيانا وعادات وتقاليد من المستبعد أن يعرفها أحد، لهم قوانينهم وأعرافهم ومشاكلهم الخاصة بهم”. وتضيف في حديثها ل”أذواق”هذه الحياة بكل ما فيها رصدتها ووثقتها في مجموعة من اللقطات التي تلقي الضوء على كثير من ملامح هذا العالم، وكما يقولون الصورة وحدها تغني عن ألف كلمة”.
وجوه وحكايات كثيرة يتضمنها مشروعها الثقافي أبرزها حكاية زعيمة القبيلة السيدة “جميلة” التي التقت بها في بداية مشروعها وأعجبت كثيرا بشخصيتها وقوتها، تقول منى ل”أذواق”:” على وجهها ارتسمت ملامح السنين والتجارب، فأضافت عليه مهابة وقوة وتعبيرا عن الثقة بالنفس، لهاعينان يشع منهما بريق لا يخطؤه أحد ونظرة حادة ثاقبة تملؤها الطيبة وتفيض حنانا على من حولها، هى الآمر الناهي في كل ما يتعلق بأمورالقبيلة وتسري أوامرها على الكبير والصغير، أكثر من ستين فردًا، جميعهم يأتمرون بأمرها”.
المدهش أن الصور التي التقطتها لها حسن توضح كيف أنه لا يفارق عنقها وأذنيها الإكسسوارت التي على بساطتها تعكس قيمة المرأة وتميزها باعتبارها زعيمة للقبيلة واحتفائها بأناقتها. كما تظهر الصور أنه يتدلى من عنقها مفتاحان تحتفظ بهما بشكل دائم، تقول منى حسن:”لا تنزعهما إلا لفتح صناديقها التي تحتوي على بعض ما تملك من مدخرات وإرث وذكريات”.
تشير الكثير من الصور الأخرى إلى الأجواء الأسرية للقبيلة، حيث يلتف حول جميلة ـ وغيرها من النساء مثل أبناؤها وأحفادها ـ عرفانا بما قدمته وتقدمه لهم من أجل أن يظل تماسكهم هو الضمان لبقائهم رغم الحياة الصعبة، تردف حسن:”هى جميلة زعيمة القبيلة قولًا وفعلًا”.
اهتمت منى حسن في مشروعها الفوتوغرافي اثناء التصوير أن ترفق صورها بقصص موثقة، فيما يشبه الأبحاث الميدانية، فكانت تتحدث إلى أبناء القبائل، وتسجل أحاديثهم، لتعود إلى منزلها بالإسكندرية وتدون ذلك كله، وللذك هي بصدد إصدار مشروعها في كتاب مصور ضخم سيمثل واحدا من الجهود العلمية الفوتوغرافية النادرة في التوثيق لمثل هذه الحكايات الإنسانية بالمنطقة العربية؛ وهو ما لفت أنظار مهرجان قطر للصورة: تصوير”، الذي تنظمه متاحف قطر، ضمن “قطر تبدع”، المبادرة الثقافية الوطنية التي تستمر فعالياتها على مدار العام، والتي ترعى وتروج للأنشطة الثقافية في قطر، وتحتفي بتنوعها، فقررت إدارة المهرجان إقامة معرض لها
تحت عنوان “رحالة مصر” والذي تقدم من خلاله مجموعة من الصور القصصية تروي عبرها حكاية هجرة القبائل العربية لمصرمنذ مئات السنين، وتستلهم تجاربهم الحياتية المميزة.
استشعرت منى في الكثير من جوانب حياة الرحالة مظاهر الجمال والتنوع، تقول منى حسن في مشروعها :”أكثر ما شدني إلى دنيا هؤلاء الرحل، كمحبة للتصوير، هو هذا العالم البديع من الألوان الزاهية التى تفيض على الجو العام بهجة ملحوظة، وتضفي عليه حالة من الفرح، ألوان جاء اختيارها عفويا، تماما كحياتهم الجميلة البسيطة”
يتضمن مشروع الرحالة للمبدعة منى حسن العديد من القصص الإنسانية لشخصيات حقيقية سجلتها بالصورة والكلمة وقبل ذلك بإحساسها المرهف ووعيها ورؤيتها كفنانة تتجه دوما في مشروعاتها إلى تسليط الضوء على المهمشين، وكان منها حكايات تخص المرأة وحقوقها، ولتثبت كيف يمكن للفن أن يوثق و يكشف النقاب عن قضايا إنسانية واجتماعية مهمة.ا
السيدة “جميلة” زعيمة القبيلة” (مصدر الصورة الفنانة منى حسن )
الفنانة منى حسن (أذواق)