وَنَحْنُ نَسْتَقْبِلُ العَامَ الجَدِيدَ بِنُفُوسٍ مُشْرِقَةٍ، وَأَرْوَاحٍ مُبتَهِجَةٍ، وقُلُوبٍ تملؤُهَا الأُمْنِيَاتُ بِالسَّعَادَةِ وَالتَّوْفِيقِ والتفاؤُل، وَتَحْقِيقِ الأَمَانِي الغَالِيَةِ لِلْجَمِيعِ بِإِذْنِ اللهِ، تَرْنُو أَنْظَارُنَا وَتَهْفُو قُلُوبُنَا (فِي غَمْرَةِ هَذِهِ المَشَاعِـرِ الإِيجَابِيَّةِ الرَّائِعَةِ) إِلَى تَقْدِيمِ كَلِمَاتٍ شُكْرٍ مُسْتَحَقَّةٍ، وَبَاقَاتِ وُرُودٍ فَوَّاحَةٍ إِلَى كُلِّ مَنْ بَذَلَ حَبَّةَ عَرَقٍ فِي سَبِيلِ نَمَاءِ وَعِزَّةِ هَذَا الوَطَنِ الأَشَمِّ، وَإِلَى كُلِّ مَنْ شَمَّرَ عَنْ سَاعِدِ الجِدِّ وَالمُثَابَرَةِ لِيُسْهِمَ فِي نَهْضَةِ وَرُقِيِّ هَذَا المُجْتَمَعِ، فَمِنْ حَقِّ هَؤُلاَءِ جَمِيعاً أَنْ نَشْكُرَهُمْ، وَنَشُدَّ عَلَى أَيْدِيهِمْ لِمَزِيدٍ مِنَ البَذْلِ وَالعَطَاءِ، فَدِينُنَا الحَنِيفُ دِينُ التَّكْرِيمِ وَالوَفَاءِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ: {هَــلْ جَــزَاءُ الإِحْسَــانِ إِلاَّ الإِحْسَــانُ فَبـِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُـمَـا تُكَـذِّبَانِ}. (سُـورَةُ: الرَّحْمَـن، الآيتـــان: 59-60).
قد يهمك أيضا : اختـلافُ الأذواق والتنـوُّعُ الإنسـانيُّ (azwaaq.com)
والتكريم من شيم الوفـاء والعـرفان والتقدير، وهذه الخصال والصفات هي جزء لا يتجزأ من قيم وثوابت مكارم الأخلاق، وكفى بعظمة مكارم الأخلاق قـول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنمـا بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”. (حديث حسن، رواه أحمد والبخاري وابن سعد والبيهقي). والشكر من لوازم الإيمان، وأسباب دوام النعم واستمرارها، يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصَّحيح: “مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُم مَعْرُوفًاً فَكَافِئُوهُ، فَإِن لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا إنَّكُمْ قَدْ كَافَأتُمُوهُ”(رواه أبو داود في سننه)، ويقول عليه الصَّلاة والسَّلام: “مَن لاَ يَشْكُـرُ النَّاسَ لاَ يَشْكُـرُ اللهَ عَـزَّ وَجَلَّ”(رواه الترمذي).
وَعِنْدَ سَمَاعِ كَلِمَةِ “التَّكْرِيمِ” لأَوَّلِ وَهْلَةٍ تَشْعُــرُ النَّفْسُ البشريَّةُ بِالسَّعَــادَةِ وَالانْشِـــرَاحِ، وَيَلُفُّهَا بَحْــرٌّ مِنَ الفَخْــرِ وَالاعْـتِزَازِ، خَـــاصَّــةً إِذَا كَانَتْ مَقْصُــودَةً هي ذاتُها بِذَاكَ التَّكْرِيمِ الذِي قَدْ يَكُونُ مَــادِّيّاً أَوْ مَعْنَوِيّاً، فَمُجَـــرَّدُ الشُّعُــورِ أَنَّ هُنَاكَ مَـنْ يُقَدِّرُ جُهْـــدَكَ وَتَعَبَكَ فِي سَبِيلِ أَدَائِكَ لِعَمَلِكَ وَوَاجِبِكَ هُوَ أَمْرٌ لَهُ تَأْثِيرٌ إِيجَابِيٌّ عَلَى النَّفْسِ، حَيْثُ يُسَاهِمُ فِي صُنْعِ حَـافــِزٍ نَحْــوَ العَطَاءِ وَدَافِــعٍ نَحْـوَ الإِنْجَازِ فِي العَمَــلِ، وَكُلَّمَا كَانَ هُنَاكَ تَكْرِيمٌ وَتَشْجِيعٌ مُتَوَاصِلٌ كَانَ هُنَاكَ عَمَلٌ جَادٌّ وَمُثْمِرٌ وَمُتْقَنٌ، وَفِي هَذَا الصَّدَدِ، يَقُولُ الفَيلسُوفُ الأَمْرِيكِيُّ ويليام جيمس: “إِنَّ أَعْمَقَ مَبْدَأ فِي الطَّبِيعَةِ الإِنْسَانِيَّةِ هُوَ الْتِمَاسُ التَّقْدِيرِ”، فتقديرُ الذَّاتِ وَاحْتِرَامُهَا مِنْ مُحِيطِهَا يَمْنَحُهَا قَدْراً كَبِيراً مِنَ السَّعَادَةِ، وَيُشْعِرُهَـا بِالثِّقَةِ وَالرِّضَا وَالاطْمِئْنَانِ، وَحَتَّى فِي عِلْمِ الإِدَارَةِ ثَمَّةَ نَظَرِيَّةٌ تُؤَكِّدُ أَنَّ السُّلُوكَ الذِي يُعَـزَّزُ بِالْمُكَافَأَةِ يَسْتَمِرُّ وَيَتَكَرَّرُ، بَيْنَمَا السُّلُوكُ الذِي لاَ يُعَـزَّزُ سَيَتَوَقَّفُ وَ لاَ يَتَكَرَّرُ.
قد يهمك أيضا : ألم…جارة القمر (azwaaq.com)
ومن النواحي الإداريَّة والتربويَّة أصبح مبدأ التكريم مبدأ مُهمّاً وثابتاً في سياسات كثيرٍ من الدُّول والمُؤسَّسات الحكومية وغير الحكومية، فظهرت ما يُسمَّى بجائزة نوبل لتكريم العُلماء المُبدعين في مجالاتٍ علميَّةٍ أسهمت في إسعاد الإنسانيَّة، أو حلول مشاكل لها في عدة مجالات مختلفة. وهناك جوائز متخصصة في مجال الجودة، والتميز الاقتصادي والعلمي والإداري والاجتماعي، وهناك جوائز ترصدها الجامعات للأبحاث العلمية المتميزة، وللموظفين المثاليين، وغير ذلك.
فَمَا أَجْمَلَ أَنْ نُعَزِّزَ الإِتْقَانَ فِي العَمَلِ وَالجِدَّ فِي أَدَاءِ الوَاجِبِ عِنْدَ أَبْنَاءِ وَطَنِنَا الحَبِيبِ بِمَزِيدٍ مِنَ مَظَاهِـرِ التَّكْرِيمِ وَالوَفَاءِ، وَأَنْ يَكُونَ التَّكْرِيمُ حَاضِراً فِي كُلِّ وَقْتٍ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهُ بِمَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلٍ، وَبِمَا بَذَلَ مِنْ جُهْدٍ لِنُكَرِّمَ بِذَلِكَ بِلاَدَنَا بِسَوَاعِدَ قَوِيَّةً تَبْنِي صُرُوحَ العِـزَّةِ وَالأَمْجَادِ وَالرُّقِيِّ، وَكُلُّ عَامٍ وَالجَمِيـعُ بِخَيْرٍ.