بقلم : شحاته زكريا
في ظل وتيرة الحياة السريعة والتحديات المتزايدة ، تغلبت الصلابة على قلوبنا وأصبحت الحياة اليومية تشبه معركة للبقاء وسط ضغوط لا تهدأ .. في هذا العالم المتقلب أصبحنا في حاجة ماسة لإحياء القيم الإنسانية السامية التي لطالما كانت نبراسا يهتدي به الإنسان منذ بدء الخليقة ..وقادته لبناء حضارات متقدمة ومتسامحة، لكن يبدو أن تلك القيم بدأت تتلاشى لتحل محلها قسوة لا ترحم. “
وفي المولد النبوي الشريف ما أروع أن نستعيد قيمة “لين القلب” ليس مجرد فضيلة فردية؛ بل هومحور بناء المجتمعات المتكافلة وركيزة أساسية لتحقيق السعادة والاستقرارالاجتماعي .. ما نراه اليوم من تصاعد القسوة والجفاء في التعامل مع الآخرين .. يعدّ مؤشرا واضحا على اختفاء هذا السلوك النبيل، ليترك مكانه فراغا كبيرا في العلاقات الإنسانية .
ايس هناك أدنى شك أن إحياء الرحمة والتراحم في النفوس أصبح ضرورة ملحّة، وليس مجرد خيار في حياة الأفراد أوالمجتمعات، إن المجتمع الآن يشهد تراجعا ملحوظا في السلوكيات الإنسانية التي كانت تميز أنبياء الله ورسله، والتي قامت عليها العديد من الرسالات السماوية.
قد يهمك أيضا : حين تضيع الذهب بيديك! (azwaaq.com)
النبوة ذاتها لم تكن مجرد مجموعة من المعجزات، بل كانت مثالا حيا على الرحمة واللين والرفق، لذلك فإن السعي لاستعادة هذه القيم في حياتنا المعاصرة ليس فقط استحضارا لتعاليم الأنبياء، بل هو إحياء لقيمة جوهرية تعيد التوازن المفقود إلى المجتمع.
ما نحتاجه اليوم ليس مجرد كلام نظري عن “لين القلب”، بل خطوات عملية تعيد لهذه القيمة أهميتها، يمكن بدء هذه العملية بإعادة تعريف مفهوم النجاح الحقيقي في المجتمع؛ ذلك النجاح الذي لا يقاس بعدد المناصب أو الثروات ، بل بقدرة الإنسان على إظهار الرحمة، ومساعدة الآخرين في مواجهة مصاعب الحياة.
تزداد قيمة هذا المفهوم عندما ننظر إلى الواقع، ونرى كيف أن القسوة أصبحت متطلبا للنجاح عند بعض الناس ، وكيف باتت اللامبالاة بالآخرين هي العملة الأكثر تداولا في العلاقات.
في حديثه الشريف يقول النبي صلى الله عليه وسلم:”الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ؛ ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ”. لا يمكن أن تكون هذه الحكمة مجرد نص من الماضي نقرأه ثم ننساه ، بل يجب أن تتحول إلى منهج حياة نتبعه يوميا. إنها دعوة صريحة لإظهار الرحمة في كل تعاملاتنا ، سواء كانت مع الأسرة، أو الجيران ، أو حتى الغرباء.
إن إحياء أخلاق النبي الكريم ليس مرتبطا بموسم أو مناسبة دينية فحسب؛ بل هو أسلوب حياة يجب أن يتجسد في تعاملاتنا اليومية، كل منا يستطيع أن يبدأ بنشر الرحمة من محيطه، سواء كان ذلك في البيت أو مكان العمل أو حتى في الشارع، عندما نزرع بذورالرحمة في قلوبنا ، سنجد أن مجتمعنا بأسره يزدهر بالحب والتفاهم.
قد يهمك أيضا : عيون النحلة.. كيف تكون محبوباً من الآخرين؟ (azwaaq.com)
كما أن التعليم والإعلام يلعبان دورا حاسما في تعزيز هذه القيم. يجب أن تُربى الأجيال الجديدة على مفهوم أن “لين القلب” ليس ضعفا ، بل هو قوة تُبنى بها المجتمعات المستقرة والمتكاملة. وهنا يأتي دور الأسرة والمدرسة والوسائل الإعلامية في ترسيخ هذه القيم عبر برامج توعوية ومبادرات مجتمعية تدعو إلى التسامح والرحمة. ختاما إن إحياء مفهوم “لين القلب” ليس مجرد إعادة لقيمة دينية فحسب، بل هو ضرورة مجتمعية نحن بحاجة إلى حملة واسعة تعيد للرحمة مكانتها في قلوب الناس ، لنبني مجتمعا أكثر إنسانية ووعيا.
حينما تنتشرالرحمة والتعاون، ستزداد الثقة بين الناس وسيصبح المجتمع قادرا على مواجهة تحديات الحياة بقوة وتفاؤل، إنها دعوة مفتوحة لنا جميعا لنقف معا في المولد النبوي الشريف، وننشرالرحمة في كل زاوية من زوايا حياتنا، فنعيش في ظلها حياة أكثرتوازنا واستقرارا، فهل نحن مستعدون لإحياء قلوبنا، ونكون نواة لمجتمع أكثررحمة وتماسكا.