بقلم : شحاته زكريا
تمر السنوات، لكن اسم أم كلثوم يظل محفورا في ذاكرة كل محب للفن الأصيل. في الثالث من فبراير من كل عام نقف أمام ذكرى وفاة واحدة من أعظم الشخصيات الفنية التي عرفها التاريخ العربي، كوكب الشرق، التي استطاعت بصوتها أن تجمع الملايين حولها، وتربط بين الشعوب العربية في حب مشترك للفن والثقافة، أم كلثوم ليست مجرد مطربة، بل هي رمز ثقافي وإنساني ودرس خالد في المثابرة والإبداع .
البدايات المتواضعة لرائدة الفن

وُلدت أم كلثوم، و اسمها الحقيقي فاطمة إبراهيم السيد البلتاجي ، في قرية طماي الزهيرة بمحافظة الدقهلية عام 1898، لعائلة بسيطة تعمل في الإنشاد الديني، نشأت في بيئة تحترم التقاليد والقيم، لكنها لم تكن تعرف أن ابنتها ستصبح أيقونة الفن العربي. بدأت رحلتها بالغناء في المناسبات الدينية والموالد؛ حيث أظهرت موهبة فطرية وقدرة فريدة على الوصول إلى قلوب المستمعين رغم صغر سنها.
في تلك البيئة المتواضعة زرعت أم كلثوم بذور الحلم والإصرار، ورغم العوائق الاجتماعية والنظرة التقليدية للفن في ذلك الوقت تمكنت من تجاوز العقبات، لتخطو نحو القاهرة، العاصمة التي كانت تُعتبر آنذاك مركز الإبداع والثقافة.
أم كلثوم وصناعة الأسطورة
بمجرد وصولها إلى القاهرة بدأت أم كلثوم في تشكيل ملامح أسطورتها الفنية. لم تعتمد فقط على موهبتها الفذة، بل على شغفها بالتعلم والتطوير. تعاونت مع أعظم الشعراء والملحنين أمثال أحمد رامي، رياض السنباطي، ومحمد عبد الوهاب، ونجحت في تقديم أغاني تجاوزت كونها مجرد أعمال فنية، لتصبح ملاحم موسيقية تعبر عن أعمق المشاعر الإنسانية. أغاني مثل “الأطلال”، “إنت عمري”، و”فكروني” لم تكن مجرد كلمات وألحان، بل كانت تجارب حياتية، استطاعت من خلالها أن تسبر أغوار النفس البشرية ، وتعبرعن الحب، الشوق، الحزن، والقوة، بكل ما تحمله هذه المشاعر من تناقضات.
صوت الوحدة في زمن الإنقسام
لم يكن صوت أم كلثوم مجرد وسيلة للترفيه، بل كان رمزا للوحدة والانتماء في زمن كانت فيه الشعوب العربية تعاني من الاحتلال والصراعات الداخلية، كان صوتها بمثابة رابط يجمع الناس حول حلم مشترك وأمل في غد أفضل. أغانيها الوطنية، مثل “مصر تتحدث عن نفسها” و”والله زمان يا سلاحي”، أصبحت شعارات للثورات والنضالات، وأدوات لتوحيد الصفوف في لحظات الأزمات.
حفلات أم كلثوم

كانت حدثا قوميا، ينتظره الملايين بشغف. كانت الناس تتوقف عن العمل لتجتمع حول الراديو في مشهد يعكس مدى تأثيرها العميق على حياة الناس، دروس من حياة أم كلثوم لم يكن نجاح أم كلثوم وليد الصدفة بل نتيجة إصرارها على الكمال والعمل الجاد. كانت تعيد تسجيل أغانيها مرارا وتكرارا حتى تصل إلى الأداء المثالي. لم تكن ترضى بالحلول الوسطى بل كانت تسعى دائما إلى تقديم الأفضل لجمهورها، وهو ما جعل من أعمالها إرثا خالدا يستمر تأثيره حتى اليوم.
دروس من حياة أم كلثوم

و تتعدد الدروس التي يمكن أن نتعلمها من حياتها، ومنها الإصرار على تحقيق الحلم؛ فرغم نشأتها في بيئة متواضعة لم تستسلم للظروف، بل تجاوزت التحديات لتصل إلى قمة النجاح، و التعلم المستمر؛ ذلك أن أم كلثوم لم تتوقف عن تطوير نفسها، سواء من خلال تعلم المقامات الموسيقية أو الانفتاح على أشكال جديدة من الفن.
كما أن كوكب الشرق تُعد نموذجا لاحترام الجمهور؛ فقد كانت تعتبر جمهورها جزءا من نجاحها؛ لذا حرصت دائما على تقديم فن راقٍ يليق بتوقعاته، وهي أيقونة للهوية الوطنية : فرغم شهرتها العالمية، لم تتخلَ أم كلثوم عن هويتها المصرية والعربية ، وظلت مدافعة عن قضايا وطنها من خلال فنها.
“الست ” … إرث لا ينطفئ
حين توفيت أم كلثوم في 3 فبراير 1975، كانت جنازتها ملحمة من الحب والتقدير. خرج مئات الآلاف من الناس لتوديعها، في مشهد يعكس مدى عمق تأثيرها في حياتهم، ورغم مرور نصف قرن على رحيلها، ما زال صوتها حاضرا، يحيي الأمل في النفوس، ويُذكرنا بقيمة الفن الحقيقي.
50 عاماً على رحيل أم كلثوم ولكن …
في النهاية أم كلثوم لم تكن مجرد صوت استثنائي أو فنانة عابرة في الزمن؛ بل كانت مدرسة في الحياة والفن. وفي الذكرى الخمسين لرحيلها، نجد أنها علمتنا أن النجاح يحتاج إلى شغف وإصرار وأن الفن يمكن أن يكون رسالة نبيلة تُحيي القلوب وتوحد الشعوب. وفي كل مرة نستمع فيها إلى أغانيها ، نتذكر أن هناك أصواتا لا تغيب، لأنها جزء من أرواحنا ووجداننا. رحم الله أم كلثوم، وأسكنها فسيح جناته.
إقرأ أيضاً : من ذكرياتي الفنية … للآنسة أم كلثوم
إقرأ أيضا: لقاء الصدفة الذي جعل أم كلثوم نجمة الغناء العربي
إقرأ أيضاً: زبيدة ثروت بعد الشهرة
الكلمات المفتاحية
# الذكرى الخمسين لرحيل كوكب الشرق،# أم كلثوم أسطورة تتحدى الزمن،#أم كلثوم،#كوكب الشرق،#الست،#وفاة أم كلثوم،#ذكرى وفاة أم كلثوم،# بدايات أم كلثوم،#أغاني أم كلثوم،#صوت لأم كلثوم،#مشاعر،#أغنية الأطلال،#أغنية أنت عمري،# أم كلثوم وصناعة الأسطورة،#الفن،#أغاني،#شحاته زكريا،# الملحنين،#سطورة الغناء العربي#50 عاما على رحيل أم كلثوم