بين سؤال الوجود وضجيج العصر كيف نعيش المعنى دون أن نفقد الحياة ذاتها؟.
في زمن تتزاحم فيه الأعباء، وتتلاشى فيه اللحظات الصافية يعود السؤال القديم بجرأته: هل نعيش لنحقق معنى أم نفرغ أعمارنا في مطاردة معنى قد لا يأتي؟.
وهل يمكن للإنسان أن يجد التوازن بين السعي نحو الغاية، والاستمتاع بنبض الحياة؟ في هذا المقال في أذواق رحلة فكرية وتأملية في مفترق الطرق بين المعنى والحياة.
في زحام الأيام، ومع توالي التفاصيل اليومية التي تُثقِل الروح، وتُنهك العقل يتسلل سؤال وجودي كالسهم إلى قلب الإنسان: ما معنى هذه الحياة؟.
وهل نحن نحيا لنُحقق معنى أم أن المعنى نفسه وهم نُطارده حتى نفقد الحياة ذاتها؟.
أيُّهما أكثر قسوة: أن نحيا بلا معنى أم أن نُفرغ أعمارنا في البحث عن معنى لا نعيش فيه؟.
لم تكن هذه الحيرة وليدة العصر، بل رافقت الإنسان منذ أن وعى ذاته، وبدأ يطرح الأسئلة التي لا إجابة قاطعة لها.
إقرأ أيضاً للكاتب : موضوع عائلي 3 … متعة اللحظات البسيطة مع من نحب
تسارع الحياة
لكنها في عصرنا اكتسبت طابعاً أكثر حدة بفعل تسارع الحياة، وتفكك المعايير وزيف الصور، وتضخم “الأنا” في ظل منظومة استهلاكية تُلهينا عن الجوهر.
أصبح الإنسان أشبه بمن يركض في حلقة مفرغة يملك كل شيء إلا الطمأنينة ينجز كثيراً، ولا يعرف لماذا يبتسم للعدسات ويموت في صمت.
قد يعيش الإنسان بلا معنى حين يُسقط من حساباته الغاية، ويغرق المرء في تفاصيل العيش دون أن يتساءل: لماذا أفعل ما أفعل؟.
سلسلة من المهام
لماذا أستيقظ كل صباح؟ لماذا أتحمل الألم، وأواصل السير؟ حين تُصبح الحياة سلسلة من المهام المفروضة تُؤدى كواجب ميكانيكي بلا شغف بلا أمل بلا بوصلة.
حينها يتحول الوجود إلى عبء والمستقبل إلى عبث واليوم إلى تكرار باهت للأمس، لكن الوجه الآخر من المعادلة لا يقل قسوة.
فكم من أناس تشبّثوا بالمعنى حتى مات فيهم الإحساس؟ جعلوا من الهدف صنما، ومن الرسالة سجناً ففقدوا لذة العيش وسقطوا في فخ الكمال الذي لا يُدرَك.
المعنى حين يُفرض كقيد لا يرحم يُفرغ الحياة من خفّتها ويُصادر الفرح ويحوّل الإنسان إلى آلة تُجيد التضحية وتنسى التمتّع.
إقرأ أيضاً للكاتب : قهوة سادة على رصيف الذكريات
التوازن في الحياة
حينها لا تختلف التضحية عن الفناء ولا النُبل عن القسوة على الذات. السر إذا في التوازن أن نحيا الحياة بمعناها لا على حسابها.
أن نجد الغاية دون أن نفقد الطريق، أن نُحسن السؤال دون أن نُنهك أنفسنا بإجابات نهائية؛ فالمعنى ليس نقطة نهاية بل هو رفيق الدرب.
يتشكل كلما عبرنا تجربة، أو خُضنا علاقة، أو خرجنا من محنة أكثر نضجا.
إنّه نهر متدفّق لاحجر صل، ثمّة من يعتقد أن المعنى يجب أن يكون عظيما ضخما متجاوزا للذات.
لكن في الحقيقة المعنى قد يسكن أبسط الأشياء: لحظة صدق نظرة امتنان كتاب غيّر رؤيتك لقاء عابر ترك فيك أثرا أو حتى فنجان قهوة مع من تحب.
ليست البطولة في أن تُنقذ العالم بل أن تُضيء بقعة صغيرة فيه أن تترك أثراً لا يُرى لكنه يبقى،
قد تكون الحياة بلا معنى مؤلمة لكنّ الأشد إيلاما أن نعيش معنى لا يشبهنا، مفروضا علينا، أو مسروقا من غيرنا.
أنت من تحدد مسارك
إن المعنى الحقيقي لا يُستعار، ولا يُحاكى، بل يُكتشف ذاتيا بالتأمل، وبالصدق مع النفس، وبالشجاعة في مواجهة الفراغ.
لا أحد يستطيع أن يمنحك المعنى، ولا كتاب، ولا واعظ، ولا جماعة.
وحدك من تُنقّب في داخلك وتلتقط الشرارة التي تُضيء الطريق. ولعلّ أجمل ما في هذا البحث أنّه لا ينتهي.
كلما ظننا أننا وجدنا المعنى أدركنا أن ما ظنناه نهاية هو بداية لمرحلة أخرى من الفهم.
إقرأ أيضاً للكاتب : الذكرى الخمسين لرحيل كوكب الشرق : أم كلثوم أسطورة تتحدى الزمن
المعنى الحقيقي للحياة
وهذه الحركة الدائمة بين السؤال والجواب بين الظن واليقين هي ما يمنح الدنيا معناها الحقيقي: أن نظل في سعي، لا بقلق بل بأمل.
لسنا مضطرين للإختيار بين حياة بلا معنى أومعنى بلا حياة، بل علينا أن ننسج الإثنين معاً.
وذلك بمعنى أن نحيا بصدق، ونسعى بوعي، ونفرح ببساطة، ونُخطئ بشجاعة ونُصلح برحمة.
فالمعنى لا يصنع الحياة وحده، والحياة لا تكتمل بلا معنى.