بقلم الكاتب المغربي : أجدور عبد اللطيف
يحدث كثيراً أن يواجه الآباء أو الأوصياء على تربية الأطفال مواقف تنتفي فيها الحلول، وتتقلص هوامش التفكير في إقناع طفل بفعل شيء أو ترك فعل شيء، ومن ذلك مثلاً إصراره على عادة سيئة، كالتلفظ بكلمات نابية يجد فيها استثارة للآخرين وجلباً لاهتمامهم، أو أكل مادة ضارة من تراب أو نحوه.. أوربما امتناعه عن غسل الأسنان أو إنجاز الواجبات، أو رفضه المتكرر غسل يديه قبل الأكل أو تنظيف فاكهة أو إناء أو غيرها من السلوكيات الضارة به أو بغيره.
تتفاقم هذه المعضلة عندما تشمل سلوكيات أخطر، كالسرقة المتكررة والكذب المزمن، سيما عندما يصبح الأمر اعتياداً عند الطفل تذهب معه كل محاولات الإقناع والحوار والسياسة أدراج الرياح!، بل إن الأمر يصبح هوساً متعباً للأبوين كلما كبر الطفل، وكبرت معه تلك المشكلات؛ فصار الرفض يشمل أمورا أهم: الذهاب إلى المدرسة والامتثال للأساتذة ونظم المنزل، وصارت السرقات أكبر والكذب أخطر.
إقرأ أيضاً للكاتب : الأعمال اليدوية .. ضرورة نفسية وتربوية في عهد الغزو التكنولوجي!
التربية بالتخويف و أنواع العقاب
يُلجأ في هذا الحال، عادة، عند استنفاد المحاولات إلى حل أخير هو التهديد والتخويف بمختلف أنواع العقاب، ويشمل مستويين أحلاهما مر، بيد أن أحدهما بالغ الخطورة كبير الضرر كما سيتبين، فإما أن يتم التهديد بتوقيع عقاب ما من ضرب أو تعنيف لفظي أو نحوه وهو الشائع، أو يتم التخويف بالحرمان من شيء يعتاد عليه الطفل كالخروج للعب أو شراء شيء يحبه أو مشاركته نشاطاً اعتاده، كمشاهدة فيلم أو قراءة قصة، إن كان في عالم البشر اليوم من لا يزال يقرأ للأطفال، أو نشاط تلوين وغيره، وهذه التقنيات مفيدة في علاج تلك المشاكل ما كانت مناسبة غير مفرطة، وما دام يصحبها دوماً تذكير بكون الطفل يملك بيده وحده استعادة ما حرم منه متى قوّم ما أعوجّ من سلوكه.
التربية بالتخويف من الأمور الغيبية
يُلجأ أيضاً إلى التخويف من الأمور الغيبية، التي لا يدرك الطفل بعد ماهيتها ويرى منها أحياناً في بعض الأفلام الكرتونية، كالأشباح والجن والغيلان والعفاريت والأرواح الشريرة وجهنم، بل إن بعض الآباء يجدون في هذا الصنف من التهديد راحتهم ما دام فعالاً في حينه، سريعاً في نتائجه لردع الطفل كما يلاحظ، خصوصاً في سنواته العشر الأول، لكن ما يجهله هؤلاء أن آثار هذه التهديدات ترخي بظلالها العميقة على نفس الطفل، وتترك بشخصيته آثاراً فادحة لا تفارقه أبد الدهر.
التربية بالتخويف و التهديد المستمر
إن أغلب الراشدين الذين يعانون من نوبات هلع مزمنة، ولعلنا نعود لتناول هذه النوبات وأنواعها بين الأطفال لاحقاً؛ نظراً لانتشارها مؤخرا مع إحتكاك الطفل مع محتويات أكبر من أن يستوعبها إدراكه الفتي، يرجعها المتخصصون لتعرض الطفل للتهديد المستمر في الطفولة، لنأخذ مثلاً فوبيا الأماكن المغلقة، إن أصلها معاناته من التهديد بالإغلاق عليه في مكان ما بشكل متكرر خلال الطفولة، أما الهلع من الظلام والحيوانات والنار فكل تعود للتهديد، وأحياناً لتعريض الطفل فعلياً للظلام أو النار، أو بعض الحيوانات عقاباً، يجعله ذلك مجبولاً على الإنتفاض والإضطراب الشديد، كلما عرض له عارض من هذه الأشياء.
تأثير التربية بالتخويف على مستقبل الطفل
وتشير دراسة نشرت مؤخراً إلى أن أغلب المشاكل النفسية ترجع إلى الخوف المزمن خلال الطفولة، ولعل البعض يستغربون عند مصادفتهم لراشدين يخشون هذه العناصر، وليس مردها إلى غير التربية بالخوف وعلى الخوف، خوف يتعاظم مع الكبر؛ ليصبح خوفاً وهوساً من الآخر، ومن التجارب زواجاً أو عملاً أو استثماراً، ومن المطالبة بالحقوق، والتعبير عن الرأي، ومن الأقدار، ومن الإقدام، بل ومن الإقبال على الحياة.
إقرأ أيضاً للكاتب : عندما يوظف الأدب الرمزية القدحية للحمار لتمرير رسائل أخلاقية!
الخلاصة
يجدر بالمربين الإنتباه بشدة لكل ما يتساهلون بشأنه أثناء تربية أبناءهم، والقاعدة أن كل شيء يحقق نتائج سريعة غالباً ما يأتي بنتائج عكسية سيئة على المديين المتوسط والبعيد؛ فعملية التربية عملية بطيئة تراكمية تشبه عملية بناء برج، تتطلب وقتاً وجهداً وصبراً، وبناء الإنسان أولى بجهد مديد وصبر عتيد.
الكلمات المفتاحية
#التربية بالتخويف،#التخويف،#التخويف من أجل التربية،#التربية و العقاب،#التخويف والعقاب،#الأطفال،#آثار التربية بالتخويف،#الأبناء،#الطفل،# أجدور عبد اللطيف،#مقالات