كتبت : إنجي سالم
من أخطر التجارب التي يمكن للطفل التعرض لها هي “الإساءة العاطفية”؛ فسواء كانت محاولة متعمدة أو غير متعمدة لتخويف الطفل أو إذلاله أو عزله أو تجاهله فإنها تترك آثاراً لاتسقط من الذاكرة و الوجدان، وقد أثبتت الدراسات أن معظم المشكلات النفسية للمرء تعود إلي الأسرة بالدرجة الأولي.
وفي تقريرحديث نٌشر مؤخراً في Geediting جاء تنبيهاً من أن الأشخاص الذين تعرضوا للتقليل من شأنهم من قبل أحد الوالدين أثناء نشأتهم عادة ما يظهرون 8 سلوكيات في وقت لاحق من حياتهم، واصفاً ماتعرض له هؤلاء الأشخاص في طفولتهم ب”الندبات العاطفية”.
إن فهم التأثيرات طويلة المدى لمثل هذه التجارب ليس بالأمر السهل – ومع ذلك، فإن أولئك الذين مروا بهذه التربية القاسية غالبًا ما يُظهرون هذه السلوكيات الثمانية المحددة كبالغين. يمكن أن تتجلى التأثيرات الدائمة لمثل هذا النقد بطرق مختلفة، مما يؤثر على احترام الذات والعلاقات وكيفية التنقل في العالم.
وبحسب التقرير فإن هذه السلوكيات الثمانية هي :
1ـ الإفراط في التفكير :
تتبادر إلى ذهنك الأفكار، وتتسابق بسرعة مليون ميل في الساعة، وتحاول إبطائها، الأمر الذي يشبه ركوب قطار سريع، هذه هي حياة من يفكر كثيرًا ! بالنسبة لأولئك الذين استهان بهم أحد الوالدين في طفولتهم، فهذه تجربة مألوفة للغاية.
إنهم يشككون باستمرار في أنفسهم، ويحللون أفعالهم وأفعال الآخرين، ويدورون في حلقة لا نهاية لها من “ماذا لو” و”ماذا لو فقط”. كما ترى، عندما تتعرض للإهانة باستمرار، تبدأ في التشكيك في قيمتك. تبدأ في الشك في قراراتك. تبدأ في الاعتقاد بأنك ربما، وربما فقط، لست جيدًا بما فيه الكفاية. وهكذا، تفكر كثيرًا؛ تفحص كل التفاصيل لأنك تم تدريبك على الاعتقاد بأنك لا تستطيع أن تثق في حكمك الخاص.
2ـ السعي المستمر نحو الكمال :
عندمل يشعر الطفل إنه “تحت المجهر”، وأن كل خطأ بسيط، وكل زلة طفيفة تعرضه للانتقاد، فإنه يترسخ داخله أن لا شيء مما يفعله جيدًا بما فيه الكفاية؛ لذلك لايكف عن السعى إلى الكمال، و لتجنب الانتقادات والاستخفاف يعتقد المرء أنه إذا تمكن من القيام بكل شيء بشكل مثالي، فربما يحظى ببعض الثناء أخيرا.
لكن المشكلة تكمن في أن الكمال لا يمكن بلوغه ولا يمكن الوصول إليه إلى الأبد، وهذا هو الفخ الذي يقع فيه العديد من الأشخاص الذين تعرضوا للاستخفاف كثيرا في طفولتهم، إنهم يحاولون أن يصبحوا مثاليين لأنهم يحاولون إثبات جدارتهم لأنفسهم وللآخرين.
3ـ إرضاء الناس :
هل سمعت من قبل عن مصطلح “التودد”؟ هنا يحاول الشخص تجنب الصراع أو الإساءة من خلال إرضاء الآخرين أو تقديم المساعدة بشكل مفرط، نه تكتيك للبقاء، ويهدف إلى استرضاء الآخرين. أولئك الذين استخف بهم أحد الوالدين كثيرا أثناء نشأتهم غالبا ما يتحولون إلى أشخاص يسعون لإرضاء الآخرين بشكل مزمن. لقد تعلموا كيفية التنقل في عالمهم من خلال إسعاد الآخرين، غالبا على حساب احتياجاتهم ورغباتهم. إنه سلوك متجذر في الخوف والحاجة اليائسة للقبول، وبينما قد يكون له غرض خلال طفولة صعبة، فإنه غالبا ما يؤدي في مرحلة البلوغ إلى الاستياء والإرهاق وفقدان الذات.
.4ـ صعوبة قبول المجاملات :
تخيل هذا: شخص ما يوجه إليك مجاملة، وبدلاً من مجرد قول “شكرًا لك”، يبدأ عقلك في التفكير. تتساءل عن دوافعه، وتتساءل عما إذا كان يسخر، أو حتى تبدأ في الاعتقاد بأنه مخطئ. هل يبدو هذا مألوفا؟ بالنسبة لأولئك الذين قلل أحد الوالدين من شأنهم بشكل متكرر، فإن قبول المجاملات يمكن أن يكون صراعا حقيقياً.
لقد تم تدريبهم على الاعتقاد بأنهم لا يستحقون الثناء، وعندما يأتي في طريقهم، يشعرون بالغرابة وعدم الارتياح. في أذهانهم، ينتظرون دائماً حدوث شيء آخر، ليتبع المجاملة انتقادا قاسياً.
إنها حلقة مفرغة يصعب كسرها، لكن فهم هذا الاتجاه هو الخطوة الأولى نحو السماح لنفسك بقبول الثناء الذي يستحقه حقًا والاستمتاع به.
5ـ الخوف من التعبير عن المشاعر إليك الأمر:
بالنسبة لأولئك منا الذين قلل أحد الوالدين من شأنهم كثيرا، فإن التعبير عن المشاعر قد يشبه الدخول إلى ساحة المعركة، لقد تعلمنا منذ سن مبكرة أن إظهارمشاعرنا يمكن أن يجعلنا عرضة للنقد والسخرية؛ لذلك، نكبح جماح أنفسنا. نتظاهر بالشجاعة، حتى عندما ننهار من الداخل لأننا خائفون.
الخوف من الحكم عليهم، والخوف من التعرض للأذى، والخوف من أن يُنظر إليهم على أنهم ضعفاء أو حساسون بشكل مفرط. لكن إليكم ما تعلمته: لا بأس من الشعور، ولا بأس من التعبير عن هذه المشاعر. هذا لا يجعلنا ضعفاء؛ بل يجعلنا بشرا، ولا يوجد خطأ في ذلك على الإطلاق.
6ـ أصحاب الإنجازات العالية:
قد تعتقد أن الاستخفاف المستمر من شأنه أن يشل طموحك، أليس كذلك؟ ولكن من المثير للاهتمام أن هذا غالبا ما يغذيه. أولئك الذين تعرضوا للاستخفاف المتكرر من قبل أحد الوالدين أثناء نشأتهم يميلون إلى أن يصبحوا من أصحاب الإنجازات العالية في الحياة.
إنهم مدفوعون بالحاجة إلى إثبات جدارتهم، وإظهار لمنتقديهم أنهم قادرون، ويستحقون الاحترام. إنهم يطاردون النجاح بلا هوادة، وغالبا ما يتفوقون في المجالات التي اختاروها. لكن وراء هذا الإنجاز يكمن خوف عميق من الفشل؛ لأن الفشل بالنسبة لهم ليس مجرد انتكاسة ، إنه تصديق على كل الأشياء السلبية التي قيلت لهم عن أنفسهم. في حين أن إنجازاتهم جديرة بالثناء، فمن المهم لهم أن يتذكروا أن قيمتهم ليست مرتبطة بإنجازاتهم. إنهم يستحقون الحب والاحترام، بغض النظر عن نجاحاتهم أو إخفاقاتهم.
. 7آليات الدفاع القوية :
عندما تتعرض للهجوم باستمرار، فإنك تتعلم الدفاع عن نفسك، إنها غريزة أساسية للبقاء. أولئك الذين استخف بهم أحد الوالدين بشكل متكرر أثناء نشأتهم غالبا ما يطورون آليات دفاع قوية.
قد يصبحون دفاعيين بشكل مفرط عند أدنى انتقاد أوهجوم متصور، على استعداد للرد أوالانسحاب في أي لحظة، ربما خدمتهم هذه الدفاعات جيدا في طفولتهم المضطربة؛ حيث وفرت لهم درعا ضروريا ضد الاستخفاف المستمر.
مع ذلك، في مرحلة البلوغ، يمكن لهذه الدفاعات نفسها أن تخلق حواجز، تمنعهم من تكوين علاقات عميقة وذات مغزى. إن إدراك هذه الآليات الدفاعية على حقيقتها هوإجراء وقائي من ماضيهم ، هو خطوة أساسية نحو الشفاء والنمو.
.8ـ المرونة :
على الرغم من الصراعات، والتفكير المفرط، والسعي إلى الكمال، وكل ما عدا ذلك، هناك سمة واحدة تبرز عن كل السمات الأخرى لدى أولئك الذين تعرضوا للانتقاد المستمر أثناء نشأتهم، إنها المرونة، لقد صمدوا في وجه عاصفة الانتقادات المستمرة وخرجوا منها أقوى.
لقد واجهوا الشدائد بشكل مباشر وتعلموا التكيف والمثابرة، والتغلب عليها، و المرونة لا تعني عدم السقوط أبدا؛ بل تعني النهوض في كل مرة تسقط فيها، وبالنسبة لأولئك الذين تعرضوا للانتقاد، فقد نهضوا مرة تلو الأخرى. إن هذه المرونة هي شهادة على قوتهم وقدرتهم على تحويل الألم إلى قوة، إنها ليست مثيرة للإعجاب فحسب؛ بل إنها ملهمة.
الخلاصة
أعطى التقرير المنشور في Geediting فهما أعمق للتأثير الدائم الذي يخلفه الاستخفاف بالأطفال،وينصح هؤلاء الذين تعرضوا ل”الإساءة العاطفية” في الطفولة، والذين لديهم “ندبات عاطفية” بسبب سوء التربية، أو بسبب تعرضهم للتقليل من شأنهم من قبل أحد الوالدين ب”الشجاعة للاستمرار في المضي قدماً”.
ويقول لهم التقرير “إذا كان هذا يتردد صداه ذاخلك ، فإعلم أنك لست وحدك أو أنك لست محددا بماضيك، أنت مرن وقوي وجدير بالسعادة” .
تعليق “أذواق”
إن ممارسة الوالدين للأساليب التي تتسم بالعنف والقسوة وممارسة القهر علي الأبناء وغياب التوجيه السليم، وفشل العلاقات الأسرية وغياب النمذجة الصحيحة وغياب الحوار كل تلك الأخطاء في التربية من شأنها أن تولد سلوكيات غير مرغوبة لدى الأبناء، ، مثل الانسحاب والعدوان وعدم الرغبة في التفاعل الاجتماعي، كما أنها تكون عقبة أمام التوافق النفسي.
كما أظهرت الكثير من الدراسات أن استخدام الأساليب السلبية من قبل الوالدين في تربية الأبناء قد تؤدى إلى مجموعة من الآثار المترتبة في شخصية الفرد، كالانحراف واضطرابات الشخصية وسوء التوافق النفسي والانعزالية.ولذلك فإن أولياء الأمور يحتاجون إلي إرشاد أسري لمعرفة أساليب معاملة أبنائهم بطرق تربوية سليمة، وتساعد هؤلاء الأبناء علي توجيه سلوكهم.
ومن جهة أخرى فإن العلاقة بين الوالدين تشكل عنصراً مهماً في إشباع حاجات المراهق وتحقيق أمنه النفسي، وتكيفه الاجتماعي بصورة سوية.