قد لايدرك الأب عظم المسؤولية الملقاة على عاتقه، ولا أهمية الدور الذي يقوم به، وقد لا يكون على دراية كاملة بالوظائف المتعددة المطلوب منه القيام بها، والتي تتعدى مجرد توفير النفقات إلى ما هو أبعد من ذلك حيث تشمل التربية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى وإدارة موارد الأسرة المادية والبشرية وغير ذلك .
علي الأب أن يسعى دائماً أن يكون قدوة لأبنائه، وأن يشعرهم بالطمأنينة والاحتواء، ولكي يتحقق ذلك فلابد من مراعاة تحقق بعض الإجراءات منها: أن يكون على علم ودراية بكافة احتياجاتهم المادية والمعنوية؛ فيسعى جاهداً لتوفيرها قدر استطاعته بدون غلوأو إسراف؛ فيوفر لهم ما يحتاجونه من مأكل وملبس مناسب ومسكن و أن يوفر لهم قدراً كبيراً من الحب والاهتمام والرعاية والعطف والمساندة والتشجيع، وإذا لم يستطع أن يسعهم بماله فليسعهم بعطفه واهتمامه وحنانه.
ومن المهم أن يظهر لهم ولأمهم قبلهم قدراً كبيراً من الاحترام والتقدير والتقبل والإيمان بقدراتهم، كما يجب عليه أن يكون على وعي بطبيعة العصر ومتطلباته وكيفية التعامل مع معطياته بالشكل الذي يمنحه دائما قدرة على السيطرة واتخاذ القرارات المناسبة وقت الحاجة.
وإلى جانب ذلك يجب أن يكون واعياً أيضا باحتياجاتهم النفسية فهم يحتاجون إلى الدعم والتشجيع، وأحياناً يكون أكثر مايحتاجون إليه هو الطمأنينة والأمان، وأحيانا أخرى يحتاجون إلى الحزم، وهكذا تختلف أولويات احتياجاتهم النفسية باختلاف المواقف والأعمار والظروف المحيطة.
ولايقل أهمية عن ذلك أن يسعى الأب إلى التعرف على مميزاتهم وقدراتهم، ليس هذا فقط، ولكن عليه أن يوفر لهم السبل الممكنة لاستغلالها واستثمارها بشكل جيد، وقد يرد سؤال مهم عند الحديث عن دور الأب، وهو: كيف يمكن للأب أن يحصل على قدركبير من الحب من أبنائه؟ وللإجابة عن هذا السؤال يجب أن نؤكد على أن قيام الأب بمسؤولياته فقط، ليس كافياً ولكن عليه أن يقوم بها بطريقة صحيحة حتى لا يتم تفسيرها بشكل خاطئ من قبل الأبناء.
وعليه دائماً أن يلتزم بمجموعة من الإجراءات منها : الاعتماد على المناقشة والحوار الهادئ كأسلوب لحل المشكلات، وليس على فرض الرأي والتسلط، و كذلك أن يستمع إليهم باهتمام وإنصات، فيستمع لشكواهم ويستمع لآرائهم باهتمام ويناقشهم في مقترحاتهم، وأن يتيح لهم الفرصة للاشتراك في صنع القرارات المتعلقة بهم.
وكذلك أن يبتعد تماماً عن الإيذاء النفسي والإهانات والتوبيخ والتهكم والتحقير والتقليل من شأنهم، وبدلاً من ذلك عليه أن يركز دائماً على الإيجابيات، وأن يوجههم إلى كيفية التخلص من السلبيات، بأسلوب يمتاز باللباقة والحكمة وبعيداً عن التركيز الشديد على عيوبهم الذي يشعرهم بالنقص.
كما أن التصريح بالحب والاهتمام والدعم أمر مهم يجب ألا يغفل عنه الأب؛ فلا يترك لهم مهمة استنتاجه ولكن عليه بين الحين والآخر أن يصرح لهم بذلك، وإلى جانب ذلك فإن مما يعظم من قدر المشاعر المتبادلة بين الأبناء وأبيهم مشاركته لهم في أنشطتهم المفضلة، بالإضافة أيضاً إلى التقرب منهم ومصاحبتهم والاستمتاع بمرافقتهم في الرحلات والزيارات المختلفة.
واستكمالاً لدورالأب في رعاية أبنائه فإن مسؤولياته في العصر الحالي يضاف إليها مسؤوليات جديدة ومستويات أعلى من التعقيد؛ فعليه أولاً أن يدرك أن طبيعة المجتمع قد تغيرت، وأن عليه أن يعلم أولاده كيفية المواجهة والتعامل مع المستحدثات، لا أن يمنعهم منها؛ لأن المنع قد يأتي بعواقب وخيمة.
وبمعنى آخرعليه أن “يعلمهم السباحة لا أن يمنعهم من نزول البحر”؛ لأن ذلك لم يعد ممكناً في الوقت الحالي. وعليه أن يحصنهم بالالتزام الديني والأخلاقي والتفكير النقدي؛ ومن ثم يترك لهم قدراً من الحرية ولكن تحت إشرافه ومراقبتهم عن قرب والتدخل إذا لزم الأمر.
وأخيرا فإن التشاور والمشاركة في اتخاذ القرارات والمعاملة الطيبة والتركيزعلى الإيجابيات وإبرازها لا ينشرالسعادة ويزيد من مشاعر الحب بين الأباء والأبناء وفقط، ولكنه أيضاً يكسبهم القدرة على تحمل المسؤولية والثقة بالنفس والقدرة على اتخاذ القرارات.