بقلم : الدكتورعاصم حجازي أستاذ علم النفس التربوي المساعد بجامعة القاهرة
كثيراً ما شاهدنا في الفترات الأخيرة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة هذا المشهد التمثيلي لرجل أو فتاة يلقي بكوب زجاجي من يده، حتى تتناثر شظاياه بعيدا ثم يطلب من شريكه في المشهد التمثيلي أن يعيد الكوب كما كان فيعجز، ويخرج كلاهما من هذا المشهد بعبرة وعظة من وجهة نظرهما تدعم عدم التسامح والتخلي عن العفو لاستحالة إصلاح ماتم كسره.
الحقيقة أن هذا قياس فاسد واستدلال ناقص؛ فليس كل الأدوات قابلة للكسر؛ وحتى القابلة للكسرلا يقع التأثير عليها متماثلاً، وبعد الكسر هناك أدوات قابلة لإعادة التدويرأي يمكن إصلاحها واستخدامها لأغراض أخرى بديلة، فضلاً عن أن البعض الآخر يمكن إصلاحه والعودة كما كان .
وكذلك هي العلاقات لا يجب أن تنتهي جميعها بنفس الطريقة، ولا ينبغي أن تتشابه النهايات؛ فلكل علاقة بين اثنين معنى، ومدلول مختلف؛ ولذلك فإن التعميم في طريقة التعامل مع مواقف الخلافات يعتبرخطأ فادحا يرتكبه الفرد في حق نفسه وفي حق المحيطين به.
بعض العلاقات الخطرة والسلامة يجب قطعا التخلص منها، والبعض الآخر يحتاج منا إعادة ترتيب الموقف والأولويات، وتغييرطريقة التعامل، والبعض الآخريستحق التغافل والتغاضي والإبقاء على الود والتواصل ويتوقف القرارعلى إدراك الفرد للموقف وتقييمه له.
قد يهمك أيضا : لماذا الماضي دائما أفضل من الحاضر؟ (azwaaq.com)
فلا يجوز التعامل بطريقة واحدة مع الجميع، ولكن إذا استشعر الفرد خطراً على صحته أو استقراره النفسي أو شعرأنه يتعرض لابتزاز مادي أو عاطفي وعجزعن الإصلاح فعليه أن يبتعد فوراً، وليكن منهجه في هذا الابتعاد الهجر الجميل الهادىء الذي يخلو من رواسب ومشكلات وذكريات سيئة ، وهو فن يجب أن يتدرب عليه الفرد؛ ليتقنه بعد مرات ومرات من المحاولة والتدريب.
أما العلاقات التي تتراوح بين الشد والجذب والإفادة في حالات معينة والضرر في حالات أخرى، كأن يكون القرب الزائد، أو عقد شراكات مدعاة لوجود مشكلات، فعلى الفرد أن يحتفظ بالعلاقة، ولكن في إطار جديد وحدود جديدة.
قد يهمك أيضا: الإفراط في المجاملات يصنع المشكلات (azwaaq.com)
وهي عملية يجب أن يجريها الفرد بين الحين والآخر؛ استنادا إلى ما يستجد من مواقف؛ فإعادة تنظيم العلاقة ووضعها في إطار جديد مهم للحفاظ على ما تبقى من ود.، بعض العلاقات الأخرى تحتاج إلى التغافل حتى تستمرالحياة وهذا التغافل مبني على إدراك أن الخطأ وارد وفقا للطبيعة البشرية والتسامح مطلوب، وذلك في العلاقات بين الزوج والزوجة والتي يمتد أثرها إيجابا أو سلبا على الأبناء والتغافل هنا محمول على التضحية وحفظ العهد وعدم نسيان الفضل. وفي كل الأحوال يجب أن يدرك الفرد أن العلاقات ثروة لا ينبغي التفريط فيها بسهولة أو التخلي عنها ببساطة، وإنما يجب الحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه منها؛ح فهي استثمار يفيد الفرد في حياته وتحقق له قدرا من الدعم الاجتماعي والنفسي يساعده على تخطي الأزمات ومواجهة الضغوط.
ولتكن أولوياته الإضافة وليس الحذف، ولا ينبغي اللجوء للحذف إلا للضرورة القصوى، وفي أضيق الحدود وقد كان معاوية بن أبي سفيان يقول “لو كان بيني وبين الناس شعرة لما انقطعت، إن شدوها أرخيتها وإن أرخوها شددتها، وهكذا تدور العلاقات بين الشد والجذب لكنها يجب ألا تنقطع أبداً”.