1)
إنَّ للصِّيام فضائلُ كثيرةٌ، ومنافعُ جليلةٌ، تكشفُ معرفتُها عن فضل الله عزَّ وجلَّ على أُمَّة الإسلام، وما شرَّفَهُم به –سُبْحانَهُ- من نعمٍ عظيمةٍ، فمــن فضــائل الصِّيــام: الأجـرُ والثَّوابُ الذي ينتظرُ صــاحبهُ إنْ هُو أحْسَــنَ أداء هــذه العبادة الجليـــلة، فعن أبي سعيد الخُدريِّ رضي اللهُ عنهُ أنَّ النَّبيًّ صلى اللهُ عليه وسلَّم قَالَ: “مــا منْ عبدٍ يصُــومُ يــوماً في سبيل الله إلا باعـــد اللهُ بذلك اليوم وَجْــهَهُ عن النَّار سَبْعِينَ خَــرِيفا”، (حديثٌ صحيحٌ رواهُ البُخاريُّ ومُسلم والنَّسائيُّ)، “فذَكَرَ رسُولُنا الكريمُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ وَعَدَ مَن يَفعَلُ ذلك بأنْ يُباعِدَ بيْنه وبيْنَ النَّارِ سَبعينَ خَريفًا، أي: سَبعينَ سَنةً؛ لأنَّه كُلَّما مَرَّ خَريفٌ انقَضَت سَنةٌ، وهذا يدُلُّ على بُعدِ النَّارِ عنِ الصَّائِمِ، أوِ الصائِمِ المُحتَسِبِ للهِ عَزَّ وجَلَّ”.
(2)
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي اللهُ عنهُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من صام رمضان إيمانا ً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه”. قال الحافظ ابن حجر في “فتح الباري”” :المراد بالإيمان: الاعتقاد بفرضية صومه. وبالاحتساب: طلب الثواب من الله تعالى”. وقال الخطابي: احتسابا أي: عزيمة، وهو أن يصومه على معنى الرغبة في ثوابه، طيبة نفسه بذلك، غير مستثقل لصيامه، ولا مستطيل لأيامه”.. وهــذا كله يدل على إكــرام الله سبحانه للصائمين، وإعظامه لثواب أعمالهم، ولهذا أعد لهم ذلك الثواب العظيم في جنة عرضها السماوات والأرض، كما قال عليه الصلاة والســلام: “إن في الجنة لغُـرفا يُرى ظُــهُـورها من بُطُونها، وبُطُونها من ظُهُـــورها”، فقــام إليه أعرابيٌّ، فقال: لمن هي يا رسُول الله؟، قال: “لمن أطاب الكــلام وأطــعم الطـعام وأدام الصيام وصلى لله بالليل والنَّاسُ نيامٌ”. (رواهُ الترمذي)، وتلك الغُرفُ-كما يقُولُ العُلماءُ- مُختلفة في العُــلُوِّ والصــفة بحسب اختلاف أصحـابها في الأعمال، فبعضُــها أعلى من بعــضٍ وأرفعُ، وقد قال تعالى: “وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تُقرِّبُكُم عندنا زُلفى إلا منْ آمن وعــمل صالحاً فأولئك لهم جزاءُ الضعف بما عـملُوا وهُــم في الغــرفات آمـنُون”. (الآية: 37 من سورة سبأ)، فذكــر سُبـــحانهُ شــأن الغُــرُفات وأنها لا تُنالُ بالأمــوال والأولاد، وإنما تُنال بالإيمان والعمل الصالح، ثم بيَّن لهُم جزاء الضِّــعف وأنَّ محلــهم الغُـرُفات؛ لأنَّهُم آمنُوا بالله تعالى إيماناً صادقاً، فتعلَّقت قُلُوبُهم به، ولجــأت نُفُــوسُــهُمْ إليه في كُــلِّ أُمُــور حياتهم، ولأنَّهُمْ عملُوا من الصـَّـالحات وتقرَّبُوا إليه سُبْحانهُ بها، فلا يكُونُ العــملُ الصَّـــالحُ إلاَّ مع إيمانٍ صـادقٍ، تقرُّ به عينُ صاحبه، وتنضبطُ جوارحُهُ، فيعملُ من الصَّــالحات، ولهذا كانت تلك منزلتُهُ دُونَ غَيْرِهِ.