بقلم الكاتب الصحافي : محمود مطر
لا يجول بخاطر من يشاهد فيروز على مسرح الغناء تتألق وتبدع وتأخذ مستمعيها ومعجبيها وعشاق صوتها إلى مساحات من السحر والجمال الإنساني الخالص أن هذه الساحرة اللبنانية المبدعة كانت ولا زالت تعاني الما ووجعا استثنائيا مؤلما ربما منذ مراحل مبكرة في حياتها الفنية!.
جاء عاصي الرحباني ملحنا ومؤلفا مبدعا إلى الإذاعة اللبنانية ليفاجأ بصوت ساحركأنه سحر جبال لبنان وأرز لبنان هو صوت فيروز الفتاة الجميلة التي تبناها حليم الرومي بعد أن أدرك خصوصية صوتها منذ طفولتها الباكرة عندما اكتشفها الملحن محمد فليفل عام 1940 وهي طفلة صغيرة في عمر الخامسة ليضمها إلى كورال الإذاعة.
قد يهمك أيضا :الشابي ..شاعر الحب والحياة (azwaaq.com)
وقع الحب مبكرا بين الشاب عاصي الرحباني والفتاة ذات الصوت الساحر فيروز ليتزوجا عام 1954 وليبنيا معا وبمشاركة منصور شقيق عاصي مشروعهم الغنائي الكبير المبدع المتفرد الذي بني على أساسيين إبداعيين هما صوت فيروز وموسيقى الرحبانية .
وينجب عاصي وفيروز أربعة أبناء هم زياد وهلي وليال ثم ريما آخر العنقود ومبكراً بدأ ألم فيروز ومأساة وجعها المستمر مع ابنها الثاني هلي ..الذي اختارت له أمه اسمه هلي وهو في لبنان يعني أهلي أو عائلتي؛ ولد هلي معاقا ..إعاقة ذهنية وحركية وسمعية.
قد يهمك أيضا : “أكلة السمك” التي قادت أحمد حلمي إلى النجومية (azwaaq.com)
ورغم مشاغلها وفنها وسطوته الأسرة إلا أن غريزة الأمومة انتصرت وقررت فيروز إلا تضع هلي في دار رعاية أو مصحة علاجية ونأت به عن الصحافة والإعلام وعاشت حزنها عليه وحدها لا تشرك فيه أحدا..وهو حتى الآن يعيش معها في بيتها منذ ولادته قبل أكثر من خمسة وستين عاما.
فيروز التي كانت تخجل من مواجهة الجمهور كانت قوية لا تعرف الحلول الوسطى وهي تواجه مأساتها في ابنها المعاق ..وقد غنت له بكل حزن الأم أغنية سلم لي عليه التي صاغت كلماتها بقلبها المكسورومؤخرا .
ومنذ عام ونصف العام نشرت ابنتها ريما صورا تجمع فيروز وهي مع ابنها هلي علي كرسيه المتحرك وبجوارهما ابنها البكر الملحن البارع زياد عاصي الرحباني .
الصدمة الثانية الأشد قسوة في حياة فيروز كانت رحيل ابنتها المخرجة ليال الرحباني شابة في عمر الزهور عام ١٩٨٨ مصابة بنزيف في المخ قبل أن تكمل عامها التاسع والعشرين وهو – نزيف المخ- نفس العارض المرضي الذي أودى بحياة والد ليال عاصي الرحباني .
ومرة أخرى تحتمل فيروز كل هذا الألم وكل هذا الوجع وتغرد – كما غردت من قبل – للبنان وللقدس وفلسطين و للبحر والقمر ولبيروت وللعشاق في كل مكان . لم يوقفها الألم ولا الوجع ولا فراق ابنتها عن الغناء كما لم يوقفها من قبل مرض ابنها ثم انفصالها عام 1978 عن رفيق دربها ورحلتها عاصي الرحباني بسبب غيرته الشديدة عليها.
غيرة كانت تجعله يجبرها على عدم تحية جمهورها ..وعلى عدم الرد على معجبيها ..وعلى أن تتشرنق داخل عالمه هو فقط ..غيرة جعلته يغضب غضبا شديدا حين كتب أنسي الحاج مقالا يمتدح فيه فيروز الفنانة والإنسانة وكان المدح زائدا ..وتنصاع فيروز لزوجها وتخرج مهددة بأنها ستعتزل الغناء بسبب ما يكتب عنها .. وكان طبيعيا أن يحدث الإنفصال في النهاية بعد حوالي ربع قرن من رحلة فن وزواج بعد أن اعتقد عاصي أن وصايته على فيروز لا حدود لها فتمردت جارة القمر رغم إدراكها لفضله عليها.
لان تقترب فيروز من عامها التسعين ..وهي تقيم مع ابنها هلي ملاك البيت كما تقول شقيقته ريما ..وربما في عمرها هذا لا تستطيع الغناء .. لكنها بكل تأكيد تمنحنا في كل وقت متعة الانتشاء بصوت ساحر لا مثيل له.. إنها فيروز التي استطاعت أن تسحرنا وتشجينا وتأسرنا غناء حقيقيا جميلا مبدعا ..فيروز التي كانت وستظل .. أرزة لبنان وجارة القمر ..وواحدة من قمم الغناء العربي ..فتحية لها وسلاماً.